Admin المدير العام
المساهمات : 140 تاريخ التسجيل : 10/06/2009
| موضوع: السلف الصالح ينفون الجهة الأربعاء يونيو 17, 2009 7:39 am | |
|
السلف الصالح كانوا ينفون عن اللهِ التحيزِ في جهةٍ من الجهاتِ
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم.
أما بعد، فإن السلف الصالح كانوا ينفون عن اللهِ التحيزِ في جهةٍ من الجهاتِ الست أو في جميعها وكانوا يُنفون عن اللهِ سائرَ أوصافِ الخلق وكلُّ هذا تعطيه هذه الآية {ليس كمثله شىء} لكنّ القلوب مختلفة، قلوبٌ تفهم من هذه الآية المعاني وقلوبٌ لا تفهم. تقرؤها بألسنتها ولا تفهم ما تحويه من التنزيه.
ليس ما عليه أهل الحق تشبيهُ الله بخلقه بأن يُعْتَقَدَ بأن له أعضاءَ أو أن يعتقد فيه أنه متحيزٌ على العرش بل ينفون عنه ما كان من صفات الخلق كالنزول من عُلوّ إلى سُفْل بطريق الحس والحركة والرجوع إلى هناك.
من الناسِ السخفاء من يفسرحديثَ: "ينزلُ ربُّنا كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا في النصف الأخير"، وفي لفظ "في الثُلُثِ الأخير فيقول هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له هل من سائل فأعطيه"، يفسّرونه بأن الله ينزلُ من عُلْو إلى سفل ثم يتكلمُ بهذا الكلام. فهمهم هذا يدل على سخافةِ عقولهم وذلك لأن الليلَ يختلفُ باختلافِ البلاد فعلى قولِهم يلزمُ أن يكونَ اللهُ تبارك وتعالى في السماء الدنيا طالعاً منها إلى العرش كلَّ لحظة من لحظات الليل والنهار هذه سخافةُ عقل.
أما تفسيرُ أهل السنة الذين ينزهون اللهَ عن الجهة والحد عندهم هذا النزولُ ليس نزولاً حسياً بل عبارة عن نزولِ ملائكة الرحمة إلى السماء الدنيا بأمر الله على حَسَب ليلِ كلِ أرض.
هؤلاء ينزلون ثم يبلّغون عن الله يقولون "إن ربكم يقول هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له هل من سائل فأعطيهُ".
هم يبلّغون عن الله بأمره ذلك إلى أن يفجر (يطلع) الفجر وهذا شىء يقبله العقل أما ما يقوله المشبهةُ فهو شىء لا يقبلُه الشرعُ ولا العقل.
وهذا التأويلُ أخذوه من رواية النَّسائي: "إن الله يمهل حتى يمضيَ شطرُ الليلِ الأول ثم يأمر منادياً ينادي هل من داعٍ فيستجاب له وهل من سائلٍ فيعطيَه" هذه الروايةُ وهيالصحيحةُ تفسر الروايةَ الأخرى.
لأن نزولَ الملائكة لمكان بأمر الله ليبلّغوا عنه عبّر الرسولُ عن ذلك بوحي من الله بعبارة: "ينزلُ ربنا" إلى ءاخره.
كلتا العبارتين أُوحي بهما إليه.
ولذلك نظير في القرءان، قال الله تعالى في حق ءادمَ وحواءَ {وناداهما ربُهما ألم أَنْهَكُما عن تِلْكُمَا الشجرة} فإن المعنى أن الملّكَ بلّغهما ذلك عن الله ليس المعنى أن ءادمَ وحواءَ سمِعا ذلك من الله لأن ءادم لم يكن نبياً في ذلك الوقت. وكذلك قوله تعالى {لا تحرّكْ به لسانَك لِتَعْجَلَ به إنَّ علينا جَمْعَهُ وقرءانَه فإذا قرأناه فاتّبِعْ قرءانَه} ليس المعنى على ظاهر اللفظ بل المعنى: فإذا قرأه جبريل عليك بأمرنا اتبع قرءانه هذا هو المعول عليه عند علماء التفسير. ومن يظن أن الله كان يقرأ على الرسول القرءانَ كما يقرأ المعلمُ على التلميذ فقد شبه الله بخلقه.
وقد قال رئيسُ القضاةِ الشافعيةِ في مصر في زمانه بدرُ الدينِ بنُ جماعة في كتابه إيضاحُ الدليل في قطع حجج أهل التعطيل عن حديث النزول المذكور ءانفا "اعلم أن النزولَ الذي هو الانتقالُ من عُلْو إلى سُفْل لا يجوز حملُ الحديث عليه لوجوه:
الأول: النزولُ من صفات الأجسام والمحدَثاتِ ويحتاج إلى ثلاثةِ أجسامٍ منتقِلٌ ومنتَقَلٌ عنه ومنتَقَلٌ إليه وذلك على الله تعالى مُحال.
الثاني: لو كان النزولُ لذاته حقيقة لتجددت له في كل يوم وليلة حركاتٌ عديدة تستوعبُ الليلَ كلَّه وتنقلاتٌ كثيرة لأن ثلث الليل يتجدد على أهل الأرض مع اللحظات شيئا فشيئاً فيلزم انتقالُه في السماء الدنيا ليلاً ونهاراً من قوم إلى قوم وعودُه إلى العرش في كل لحظة على قولهم ونزولُه فيها إلى سماء الدنيا ولا يقولُ ذلك ذو لُبّ وتحصيل.
الثالث: أن القائلَ بأنه فوق العرش وأنه مَلأه كيف تَسَعُه سماءُ الدنيا وهي بالنسبة إلى العرش كحَلقة في فلاة فيلزم عليه أحدُ أمرين إما اتساعُ سماءِ الدنيا كلَّ ساعة حتى تَسَعَهُ أو تضاؤلُ الذاتِ المقدسِ عن ذلك حتى تسعه ونحن نقطع بانتفاء الأمرين" ا.ه.
ومعنى كلام الإمام بدر بن جماعة أن الله منزه عن المكان وعن الاستقرار والجلوس على العرش.
والذي يتشبث بظاهر ما جاء في حديث النزول في الرواية المشهورة أن الله يقول في السماء الدنيا "هل من داع فأستجيب له" من الثلث الأخير إلى الفجر جاهل بأساليب اللغة العربية ليس له مهرب من المحال الشنيع. فيلزم على ما ذهب إليه من التشبث بظاهر قوله تعالى {وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة} أن يكون ءادم وحواء سمعا كلام الله الذاتي الذي ليس بحرف ولا صوت الذي هو كلام الله الذاتي عند أهل السنة والجماعة وهو لفظ مركب من الحروف يخرج من ذات الله مساويَيْن لموسى على زعمهم، فلو كان الأمر كذلك لم يبق لموسى مزية.
فالحمد لله الذي وفق أهل السنة لاتباع عقيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى موافقةِ الشرعِ والعقلِ ونسأل الله تعالى حسن الختام. والله سبحانه أعلم.
| |
|