يقول الله عز وجل في القرءان الكريم: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{ [سورة الحشر] ويقول الله عز وجل: }وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ{ [سورة الحجر] أي الموت، ويقول الله عز وجل: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ [سورة ءال عمران].
يجب على كل مسلم حفظ إسلامه وصونه عما يفسده ويبطله ويقطعه وهو الردة والعياذ بالله تعالى، وقد كثر في هذا الزمان التساهل في الكلام حتى إنه يخرج من بعضهم ألفاظٌ تخرجهم عن الإسلام ولا يرون ذلك ذنبًا فضلاً عن كونه كفرًا، وذلك مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا (أي لا يعتبرها معصية) يهوي بها في النار سبعين خريفًا" (أي سبعين عامًا) رواه الترمذي، أي أن الإنسان قد يتكلم بالكلمة لا يراها ضارةً له يستوجب بها النزول في قعر جهنم وهو مسافة سبعين عامًا وذلك محل الكفار.
وفي معناه حديث رواه البخاري ومسلم: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب".
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في تفسيره الحديث المذكور:"وذلك ما كان استخفافًا بالله أو بشريعته".
وهذا الحديث دليل على أنه لا يشترط في الوقوع في الكفر معرفة الحكم ولا انشراح الصدر ولا اعتقاد معنى اللفظ، وكذلك لا يشترط في الوقوع في الكفر عدم الغضب كما أشار إلى ذلك النووي، قال: "لو غضب رجلٌ على ولده أو غلامه فضربه ضربًا شديدًا فقال له رجلٌ: ألست مسلماً؟ فقال: لا، متعمدًا كفر" (أي ليس سبق لسان إنما بإرادته واختياره)، وقاله غيره من حنفيةٍ وغيرهم.
أما قول الله تعالى: }مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{ [سورة النحل]
فهذا ورد في المكره على كلمة الكفر فإنه لا يكفر إن كان نطقه بالكفر بدون انشراح صدر لذلك الكفر، وإنما يكفر هذا المكره إن انشرح صدره حالة النطق بالكفر لما قاله من الكفر، كما جاء عن رسول الله أنه قال لعمار بن ياسر: "هل كنت شارحًا صدرك حين قلت ما قلت أم لا؟" فقال: لا. رواه الإمام ابن المنذر في كتابه الإشراف.
فالضمير في قوله تعالى: }وَلَكِن مَّن شَرَحَ{ يعود إلى المكره الذي انشرح صدره حين النطق فهذا الذي يكفر.
بيان أقسام الكفر
واعلم يا أخي المسلم أنّ هناك اعتقادات وأفعالا وأقوالا تنقض الشهادتين وتوقع في الكفر، لأن الكفر ثلاثة أنواع: كفر اعتقادي، وكفر فعلي، وكفر قولي، وذلك باتفاق المذاهب الأربعة كالنووي وابن المقري من الشافعية وابن عابدين من الحنفية والبهوتي من الحنابلة والشيخ محمد عليش من المالكية وغيرهم.
الكفر الاعتقادي: ومكانه القلب، قال تعالى: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءامَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا{ [سورة الحجرات] أي لم يشكوا والشك مكانه القلب، ومن الكفر الاعتقادي نفي صفة من صفات الله تعالى الواجبة له إجماعًا، أو اعتقاد أنه نور بمعنى الضوء أو أنه روح أو جسم أو له شكل أو صورة أو هيئة أو اعتقاد أنه يحويه مكان والعياذ بالله تعالى، قال تعالى: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{ [سورة الشورى]، وقال الشيخ عبد الغني النابلسي: "من اعتقد أنّ الله ملأ السماوات والأرض أو أنه جسم قاعد فوق العرش فهو كافر وإن زعم أنه مسلم"، وقال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن الله خلق العرش إظهارًا لقدرته ولم يتخذه مكانًا لذاته".
فيجب اعتقاد أنّ الله عز وجل لا يشبه شيئًا من المخلوقات ولا بأي وجه من الوجوه، قال الإمام أحمد بن حنبل: "مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك".
الكفر الفعلي: ومكانه الجوارح، قال الله تعالى: }لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ{ [سورة فصلت]، ومن الكفر الفعلي إلقاء المصحف في القاذورات. قال ابن عابدين: ولو لم يقصد الاستخفاف، لأن فعله يدل على الاستخفاف. أو الدوس على المصحف عمدًا والعياذ بالله تعالى، وتعليق شعار الكفر على نفسه من غير ضرورة فإن كان بنية التبرك أو التعظيم أو الاستحلال فإنه يكفر.
كذلك من الكفر الفعلي السجود لصنم وهو ما اتخذ ليعبد من دون الله إن كان من حديد أو خشب أو حجر أو غير ذلك، فمن سجد لصنم اعتقادًا أو بغير اعتقاد فقد كفر، كذلك الذي يسجد للشمس أو للقمر.
وكذا يكفر من يسجد لأي مخلوق ءاخر لعبادته؛ أما من يسجد لملك أو نحوه على وجه التحية لا على وجه العبادة له فلا يكفر لكنه حرام في شرع نبينا محمد على الإطلاق، وكان جائزًا في شرائع من قبله من الأنبياء السجود للإنسان على وجه التعظيم. (في شرع سيدنا يعقوب كان جائزًا سجود المسلم للمسلم تحية ولكن هذا الحكم نُسخ)
ودليل تحريمه في شرع سيدنا محمد قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين قدم من الشام فسجد له قال صلى الله عليه وسلم: "ما هذا؟" قال: يا رسول الله رأيت أهل الشام يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم وأنت أولى بذلك فقال عليه الصلاة والسلام: "لا تفعل، لو كنت ءامُرُ أحدًا أن يسجد لأحدٍ لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها" هذا الحديث رواه ابن حبان وابن ماجه وغيرهما.
الكفر القولي: ومكانه اللسان، قال الله تعالى: }وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَءايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ{ [سورة التوبة] وقال تعالى: }وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ{ [سورة التوبة]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثر خطايا ابن ءادم من لسانه" رواه الطبراني بإسناد صحيح من حديث ابن مسعود، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستكون فتنٌ كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل" رواه مسلم.
ومن الأمثلة على الكفر القولي كمن يقول: (أخت ربك)، أو (ابن الله)، فهذا يقع في الكفر ولو لم يعتقد أن لله أختًا أو ابنا لأنه شتم الله عز وجل. وكذا يكفر من يقول لزوجته: (أنت أحب إليّ من الله) والعياذ بالله تعالى. ويكفر من يقول: (يلعن ربك)، وكذا يكفر من يقول (يلعن دينك)، أو يقول: (فلان زاح ربي)، وكذلك يكفر من يقول: (خوت ربي)، ويكفر من يقول: (عايف الله) أي كرهت الله والعياذ بالله تعالى. ويكفر من يقول: (الله يظلمك) قال تعالى: }وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ{ ويكفر من يقول: (الله يأكلك)، ويكفر من يقول: (يلعن سماء ربك)، لأنه استخف بالله تعالى.
ويكفر من يقول عن الجنة: (خشخاشة الصبيان)، أو يقول عن النار: (نتدفأ بها في ذلك اليوم) فهذا استخفاف.
ويكفر من يقول: (أكون قوادًا إن صليت)، ويكفر من يقول: (صمّ وصلّ تركبك القلة)، أو يقول والعياذ بالله تعالى: (ما أصبت خيرًا منذ صليت)، وكذا يكفر من شتم نبيًا من الأنبياء أو ملكًا من الملائكة.
وكذا يكفر من قال لكافر جاءه ليُسْلِم: (اذهب فاغتسل ثم أسلم) لأنه رضي له البقاء على الكفر تلك اللحظة (19)، لأن الرضا بالكفر كفر والغسل ليس شرطًا في صحة الإسلام.
وقد عد كثير من الفقهاء كالفقيه الحنفي بدر الرشيد (20) والقاضي عياض المالكي أشياء كثيرة ينبغي الاطلاع عليها فإن من لم يعرف الشر يقع فيه.
ويجب على من وقع في الكفر العود فورًا إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين، والإقلاع عما وقعت به الردة، ويجب عليه الندم على ما صدر منه والعزم على أن لا يعود لمثله، ولا ينفعه قول أستغفر الله قبل التشهد بل ينفعه بعد التشهد.
قال ابن نجيم الحنفي في كتاب البحر الرائق ما نصه: "إن المرتد لا ينفعه الإتيان بالشهادة على وجه العادة ما لم يرجع عما قال.
ونقل ابن المنذر الإجماع في كتابه الإجماع ما نصه: "لا يصح الدخول في الإسلام إلا بالنطق بالشهادتين". وفي نهاية المحتاج على شرح المنهاج لشمس الدين الرملي ما نصه: "ولا بد في صحة الإسلام مطلقا من الشهادتين ولو بالعجمية وإن أحسن العربية".